نشرت في:الأحد، 30 يونيو 2013
نشرت بواسطة Unknown

ملف «الإدارة التربوية» بين الفئوية والوحدوية


ملف «الإدارة التربوية» بين الفئوية والوحدوية

لا شك أنّ للإدارة التربوية دورا محوريا في المنظومة التعليمية باعتبارها الجهازَ الضابط للوسط المدرسيّ على جميع الأصعدة، لذلك فإنّ مسؤولياتها ما فتئت تتنوع وتتعاظم بفعل المهامّ المُتعدّدة، التي يتداخل فيها الإداري بالتربوي والأمني بالبشري.. بل إن امتداداتها العمودية وتبعيتها لكل من النيابة والأكاديمية والوزارة الوصية جعلها مصبّاً لسيول مسترسلة من المذكرات والقرارات، ما زاد في إرباك وتعقيد مهامّها وصعوبة القيام بواجباتها، ودفع أغلب مكوناتها، بعد نفاد صبرها، إلى الدخول اتباعا في احتجاجات فئوية بهدف إلى إسماع صوتها والدفاع عن ملفاتها المطلبية في مواجهة الجحود والتنكر لتضحياتها.

إنّ المُتمعّن في النقاشات والكتابات وأدبيات وزارة التربية الوطنية لَيُلاحظ المعنى المتداوَل الذي يُقصَد -عن جهل أو تجاهل- بالإدارة التربوية فئة المدراء -مع استثناء مدير الابتدائي الذي يجسد لوحده بغير وجه حق، الإدارة التربوية- ما يحمل في طياته لبسا وغموضا وخطأ واضحا، بل إقصاءً لباقي الفئات والمكونات المشاركة في تسيير دواليب الإدارة التربوية وتدبير الحياة المدرسية، بمساهمتها في تسخير ووضع خبراتها وإمكانات المؤسسة في خدمة المتمدرسين ورهن إشارة الطاقم التربوي لمباشرة عمله، وتفاعلها مع المحيط الاجتماعيّ، من خلال إرساء بنيات الاستقبال والتواصل مع آباء وأولياء أمور التلاميذ وجمعيات المجتمع المدني، ومع باقي المرتفقين المُتردّدين على المؤسسة.

وإذا كانت الإدارة التربوية، بمفهومها الشامل هذا، تتقاسم مشقة وعناء تدبير وإدارة الوسط المدرسي، فإنّ النضالات التجزيئية التي خاضتها بعض فئاتها، والتي خرجت منها بخفي حنين، ما عدا بعض الوعود المعسولة المُرصّعة بالاقتطاعات من الأجور، قد أبانت عن ضعف وعجز كبيرَين وعدم القدرة على رصّ الصفوف وتبني مقاربة شمولية ووحدوية قادرة على المساهمة بقيمة مضافة لإصلاح الإدارة التربوية، باعتبارها أحدَ أهمّ أوراش «رتق» منظومتنا التعليمية، من جهة، وكفيلة، من جهة أخرى، بفرض مطالبها المشروعة ضمن ملفّ منسجم ومُتّزن ومتكامل يحتضن كل الفئات، على اعتبار الإدارة التربوية بنية إذا اختلّ عنصر منها اختلت بكاملها.
لا يختلف اثنان على أنّ المدرسة المغربية لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بوجود إدارة تربوية محنكة تتفاعل عناصرها بكامل الدّقة والانسجام، وتمتلك ما يكفي من الخبرة والكفاءة، لذا فالحاجة ماسّة إلى إصلاحات عميقة، إنْ على مستوى الأوضاع المادية والاجتماعية لنسائها ورجالها، أو على المستوى المهنيّ والمراس اليومي، حتى تتمكن من مواجهة التحدّيات واحتواء تناقضات الوسط المدرسي ومحيطه الاجتماعي وتحسين جودة الخدمات وأداء الأدوار المنوطة بها على الوجه المطلوب. غير أنه لا يمكن تصور أي إصلاح للإدارة التربوية في ظلّ إقصاء بعض فئاتها، لذا فلا مناص من تعاطي القيّمين على شؤوننا مع هذا الملف، في شموليته ووحدويته، إذا كانت الرغبة في الإصلاح صادقة، ولا خيار أمام نساء ورجال الإدارة التربوية إلا بإعادة بناء وترتيب البيت الداخلي ليتسع لكل مكوناته، مع التأسيس لعمل منظم وعقلاني وجادّ يدفع في اتجاه ترسيخ ثقافة الحق والواجب، ورد الاعتبار إلى الطاقم الإداري في أفق تمكينه من المساهمة بفعالية في إعادة بناء مدرسة وطنية قوامها الجودة وتكافؤ الفرص، بدَل التشتت وتقزيم الذات والتشرذم، الذي لا يمكن أن تجنيّ منه الإدارة التربوية إلا السّراب والعقاب.

وتحضرني في هذا الصّدد حكاية الثيران الثلاثة حين تخلى اثنان منها عن «زميلهما» الثور الأبيض للأسد الجائع كوجبة تكفيه لذلك اليوم، وظنا أنهما قد أفلتا بجلديهما.. وفي اليوم التالي عاد الأسد ليفترس الثور الأصفر بتواطؤ مع الثور الأسود.. ولمّا جاء دور هذا الأخير في اليوم الثالث، وأحسّ بدنو ساعته، قال قولته المأثورة: «أكِلتُ يوم أكِل الثور الأبيض»..

إنّ انسلاخ بعض الفئات عن الإدارة التربوية الأم، بغضّ النظر عن دفوعاتها و مُبرّراتها، مسألة غير أخلاقية -خاصة بالنسبة للسباقين إلى تأسيس « فرقة الخوارج «- ومغامرة غير محسوبة العواقب، إذ من غير المعقول أن يتم تصحيح مسارها بإصلاح فئوي أو جزئي، لأن الإدارة التربوية -كما أسلفنا- هي كلّ لا يتجزأ، وفي حاجة إلى مقاربة شمولية، عدا إذا كان القصد من إصلاحها يُختزل في السلالم والأجور والتعويضات.. زد على ذلك أن التفييء ينمّ عن سذاجة كبيرة من الناحية الإستراتيجية، بل حتى البراغماتية النفعية نفسها، ولن يفيد في إصلاح منظومتنا التعليمية عامة، والإدارة التربوية على وجه الخصوص، بقدْر ما سيُكرّس الصراع والشقاق بين فئات هذه الأخيرة ويجعل بأسَها بينها، وصدَق من قال: «من يزرع الرّيح يحصد العاصفة»..

لقد آن الأوان لنساء ورجال الإدارة التربوية لرصّ صفوفهم وجمع كلمتهم وتنظيم أنفسهم في إطار وحدوي قادر على فرض ملف متكامل ومُستوفٍ لكل الشّروط، كما آن الأوان لتعاطي أهل الحلّ والعقد مع هذا الملف بعيدا عن التجزيء، وباعتماد مقاربة شمولية كفيلة بضمان إصلاح حقيقيّ للإدارة التربوية ورد الاعتبار للعاملين بها، في أفق تدبير أفضل للوسط المدرسي وتحسين جودة أداء المدرسة المغربية.

محمد أوعلي

نبذة عن الكاتب

نشرت بواسطة Unknown على 3:50 ص. تحت سمات . يمكنك متابعة الردود على هذا الموضوع من خلال الدخول RSS 2.0. لا تتردد في ترك ردا على

0 التعليقات for "ملف «الإدارة التربوية» بين الفئوية والوحدوية"

اترك الرد

الموسوعة الذهبية للطفل

موسوعة قصص نوادر جحا

موسوعة المكتبة الخضراء